
يُشكّل عنوان المحفظة في قطاع العملات الرقمية هوية رقمية تُشبه من حيث الوظيفة رقم الحساب المصرفي، ويُستخدم لاستقبال وتخزين وإرسال الأصول الرقمية. يتكوّن هذا العنوان من سلسلة مميزة من الحروف والأرقام، غالبًا ما يتراوح عددها بين 26 و35 رمزًا، مما يتيح تتبع أنشطة المعاملات بدقة على شبكة البلوك تشين. وتُخصص كل شبكة بلوك تشين صيغًا محددة لعناوينها؛ فمثلًا تبدأ عناوين Bitcoin بحروف معيّنة، بينما تتبع عناوين Ethereum معاييرها الخاصة. يُغطي تطبيق العناوين نطاقًا واسعًا، من المعاملات اليومية وصولًا إلى التفاعل مع العقود الذكية وتحديد هوية المستخدمين في التطبيقات اللامركزية (DApps).
ظهر مفهوم عناوين العملات الرقمية لأول مرة في الورقة البيضاء لبيتكوين التي نشرها ساتوشي ناكاموتو سنة 2008، وتطور مع تطور تقنية البلوك تشين. استخدمت أولى عناوين Bitcoin تنسيق ترميز Base58 المستخلص من هاش المفتاح العام، مما شكّل أساس تطوير نظم عنونة العملات الرقمية. ومع تقدم القطاع، أطلقت شبكات بلوك تشين أخرى صيغًا مميزة لعناوينها، مثل عناوين Ethereum التي تبدأ بـ 0x، وعناوين Ripple التي تبدأ بـ r، وغيرها. تطورت فلسفة تصميم العناوين بشكل ملحوظ، حيث تحولت من صيغة واحدة إلى منظومة متعددة المستويات والأغراض. على سبيل المثال، ساهم إدخال عناوين Segregated Witness (SegWit) في تعزيز كفاءة المعاملات، فيما اعتمدت Bitcoin Cash نظام عنونة خاصًا بها للحد من الالتباس مع Bitcoin.
يعمل نظام العناوين في العملات الرقمية بناءً على مبادئ التشفير بالمفاتيح العامة. حيث ينشئ المستخدم عبر تطبيق المحفظة زوجًا من المفاتيح: مفتاح خاص ومفتاح عام. يُعتبر المفتاح الخاص قيمة رقمية عشوائية يجب حفظها بشكل آمن وتجنب كشفها، بينما يُشتق المفتاح العام من المفتاح الخاص باستعمال خوارزميات التشفير باستخدام المنحنيات الإهليلجية. ويُنشأ العنوان من خلال سلسلة عمليات تجزئة على المفتاح العام. عند الرغبة في استقبال الأموال، يكفي مشاركة العنوان فقط؛ أما عند إرسال الأموال، فيتم استخدام المفتاح الخاص لتوقيع رقمي للمعاملة، وإثبات الملكية الشرعية للعنوان. تتحقق شبكة البلوك تشين من صحة التوقيع وتؤكد صلاحية المعاملة، مما يوفر نقلًا آمنًا للأموال.
على الرغم من تصميم عناوين العملات الرقمية لتحقيق أعلى درجات الأمان، إلا أنها تواجه تحديات ومخاطر متعددة. أبرز هذه المخاطر هو عدم قابلية العناوين للعكس؛ إذ إن تحويل الأموال إلى عنوان خاطئ عادةً ما يؤدي إلى فقدان نهائي دون إمكانية الاسترجاع. كما تزيد صعوبة وتنوع صيغ العناوين من احتمالية أخطاء الإدخال، ما يعرّض المستخدمين لفقدان أموالهم. ومع تطور الحوسبة الكمية، قد تصبح الخوارزميات الحالية عرضة لمخاطر أمنية، ما يدفع القطاع نحو تطوير خوارزميات مقاومة للهجمات الكمومية. كذلك، تُعد حماية خصوصية العنوان قضية جوهرية، حيث تظل معظم المعاملات على البلوك تشين متاحة للاطلاع العام، ويمكن ربطها بهوية المستخدم عبر تقنيات تحليل البيانات على الشبكة. واستجابة لهذه التحديات، طوّر القطاع حلولًا مبتكرة، أبرزها العناوين القابلة للقراءة البشرية، والمحافظ التي توفر آليات للتحقق من صحة العنوان، بالإضافة إلى أنظمة عناوين تعزز الخصوصية.


