
يُعد التقسيم الأفقي (Sharding) من أبرز تقنيات التوسعة المستخدمة في قواعد البيانات والأنظمة الموزعة، واعتمدت شبكات البلوكتشين هذه التقنية لمعالجة تحديات التوسع. تقوم هذه الآلية بتقسيم عبء معالجة الشبكة إلى أجزاء أصغر يمكن تنفيذها بالتوازي (تسمى الشرائح)، بحيث تُعنى كل شريحة بمعالجة جزء محدد من المعاملات أو بيانات الحالة على امتداد الشبكة. ويؤدي توزيع المهام بين مجموعات مختلفة من العقد إلى زيادة كبيرة في معدل معالجة المعاملات مع الحفاظ على اللامركزية والسلامة الأمنية. مشاريع البلوكتشين الكبرى مثل Ethereum 2.0 وNear Protocol اعتمدت تقنية التقسيم كخيار استراتيجي أساسي لتلبية متطلبات التوسع المتزايدة للشبكة.
نشأت فكرة التقسيم من أنظمة إدارة قواعد البيانات التقليدية، حيث يتم تجزئة قواعد البيانات الضخمة إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة لتعزيز الأداء. أما في سياق البلوكتشين التقني، فقد طُرح مفهوم التقسيم رسميًا منذ نحو عام 2014 كحل ممكن لمشكلة البلوكتشين الثلاثية، والمتمثلة في صعوبة تحقيق التوسع واللامركزية والأمان في وقت واحد. اعتمدت أنظمة البلوكتشين الأولى مثل Bitcoin وEthereum 1.0 بُنى أحادية السلسلة، ما تطلب من كل عقدة معالجة جميع البيانات والمعاملات والتحقق منها، وهو ما أدى لتقييد قدرات التوسع. مع تفاقم ازدحام الشبكة، تطورت تقنية التقسيم من الأبحاث النظرية إلى التطبيقات العملية، وأصبحت خيارًا قياسيًا لمشاريع البلوكتشين المتقدمة من الجيلين الثاني والثالث.
يتكوّن نظام التقسيم عادةً من أربعة عناصر رئيسية: تعيين الشرائح، الاتصالات بين الشرائح، آليات الإجماع، وضمان توافر البيانات. ففي مرحلة التعيين، توزِّع الشبكة المشاركين حسب هوية العقدة أو قواعد مسبقة أخرى. وتُكلّف كل شريحة بمعالجة والتحقق من مجموعة معينة من المعاملات والحفاظ على بيانات الحالة الخاصة بها. وتتيح بروتوكولات الاتصالات بين الشرائح تبادل المعلومات بشكل آمن بين الشرائح المختلفة، بما يحقق اتساق البيانات على مستوى الشبكة. وفي جانب الإجماع، تعمل كل شريحة بخوارزمية إجماع مستقلة مثل آليات إثبات الحصة (PoS) أو بروتوكولات التسامح مع الخطأ البيزنطي (BFT)، مع إمكانية تخصيص سلسلة المنارة (beacon chain) لتنسيق عمل جميع الشرائح. ويوفر مستوى ضمان توافر البيانات إمكانية وصول الشبكة إلى بيانات كل شريحة والتحقق منها حتى في حال تعطل بعض العقد، غالباً من خلال تكرار التخزين والتحقق عبر أخذ عينات.
يتمثل التهديد الأمني الأبرز في هجمات الشريحة الواحدة، حيث قد يحاول المهاجمون السيطرة على غالبية العقد داخل شريحة معينة لتغيير نتائج معالجة المعاملات وتحديثات الحالة. لمواجهة ذلك، تعتمد تصاميم التقسيم الحديثة آليات تعيين عشوائية للعقد مع إعادة توزيع مستمرة. ومن التحديات الأخرى المعاملات العابرة للشرائح، التي تتطلب تنسيقا إضافيا وآليات تأمين معقدة قد تزيد من زمن التنفيذ. كما أن البنية المقسّمة تعزز من تعقيد النظام، مما يؤدي إلى إمكان ظهور نقاط ضعف جديدة وصعوبات في المزامنة. ويزداد تعقيد الامتثال التنظيمي بسبب توزيع سجلات المعاملات على عدة شرائح، ما يصعب أعمال التدقيق والتتبع. وأخيرًا، يجب أن تحقّق حلول التقسيم توازناً دقيقاً بين رفع عدد الشرائح (لتحسين معدل الأداء) وضمان أمن كل شريحة (بما يتطلب وجود عدد كافٍ من العقد الموثوقة لكل شريحة).


